التجربة الذاتية التي تنطلق من صدق أحاسيس الوجدان، بدون شك انها تلعب دوراً هاماً في صياغة النص الشعري، بما يكشف عن معاناة المكنون الداخلي للروح، من مشاعر وانفعالات عاطفية وكذلك ردات الفعل المضاد أو المقابل. والمجموعة الشعرية غطت مساحات واسعة على سيميائية الثيمات المتناولة (بالدلالة والإشارة) عن معاناة الانثى، أو بالتعبير الدقيق معاناة المرأة العراقية بشكلها الخاص والعام، لأن (الأنا) الشعرية الذاتية تمزج همومها واحزانها في خصوصية المرأة بشكل عام، في الواقع الاجتماعي، الذي يحمل تجاه المرأة الظلم والاجحاف والحيف، مما يخلق معاناة متعددة الاطراف كاطراف الاخطبوط، حتى تخلق طعم المرارة المريرة، بما يخص كيانها وانسانيتها نحو الانتهاك الصارخ. والشاعرة (ذكرى لعيبي) تربط (الانا) الحسية أو الذاتية مع (الانا) العامة للمرأة العراقية، اي تربط الخاص بالعام، في تسليط الضوء على واقع الانتهاكات بحق المرأة، وتحاول أن تكشف جدار الواقع الاجتماعي الصعب والمعقد، الذي يحسب أنفاس المرأة، ويحاول أن يجد ثغرة حتى لو بسيطة حتى يتوغل من خلالها ويوظفها في حالة التهويل اكثر من حجمها المنطقي والمعقول، من أجل هدم كيان المرأة ليجعله مرتع الاحزان والخيبة والانكسار. من هذا الواقع نجد المرأة تصارع في وجودها : الظروف والزمن القاسي (يكتبني القدر قصيدة) ، لكنها تحاول عدم الاستسلام رغم علقم المرارة، وتحاول أن تجد لنفسها مكاناً ضمن الرقعة الاجتماعية. تحاول أن تكون مثل الاسفنجة في امتصاص الأجواء الملبدة بالغيوم، المشحونة في تهديد كيانها وإنسانيتها. وتحاول أن ترتب ايامها وزمانها (ارتب أيامي الباقيات) وتحاول أن تخلق لنفسها الحلم وتطرزه كما تطرز ضفائرها بالاشرطة الملونة الحالمة بالاماني،، لكي تنطلق كيمامة سومرية في أرض الرافدين. تنطلق كيمامة من مدينة الولادة ميسان (العمارة) الى كل العراق. وترى المرأة والوطن جسد واحد لاينفصل ، فحين يقع الظلم والمظلومية على أحدهما يتأثر مباشرة بنفس الظلم والاجحاف والاشجان الطرف الآخر (كلانا وطن)، هذا الارتباط الروحي بين المرأة والوطن، هو صراع من أجل الوجود والبقاء, هذا الزخم العالي، فأن وجع الاغتراب الروحي يقع على الوطن والمرأة معاً. وكلا الطرفين يحلم بالامل والنور في رحابها العالي، وكلما يكون الوطن زاهياً بالنور ينعكس مباشرة على واقع المرأة، بهذا الشكل تحرث النصوص الشعرية للمجموعة (إمرأة من كرزٍ وعسل). ولكن نجد مساحات واسعة للحب المفقود في مدلولاته البليغة. رغم أن قلب المرأة يحتل مكاناً واسعاً للحب والعشق والوفاء في اغصان الحنين. رغم أنها تتطلع ان تكون يمامة عشتارية سومرية تطير بلا انتهاء، من اجل ان تجد العش أو الكتف لكي تتكئ، لتجد القلب لكي تتدفئ فيه، لتذويب حزن الاغتراب الداخلي. حتى لا يكون قاموس الحب عبارة : الحاء : حزن. والباء : بكاء.
قراءة في بعض النصوص الشعرية :
لو نطق الحزن لكشف حجم المعاناة المتكلسة في الإحساس الداخلي في عذابات الروح، لتجعلها إمرأة الدمع والاحزان. أم الصبر تحيا وتموت على محبة الله، فهي سيدة الورد والصباح، تحاول ان تصمت أمام الدهر، كي لا يرحل قلبها الى الأمس الحزين. فهي أحلامها صغيرة جداً.
لو نطق ُ الحزن ،
لقال: هذه امرأة الدمع ُ
وأمُ الصبر
تحيا وتموت على محبة الله
والوطن
هذه سيدة ِ الورد والصباح ُ
تقطف َ براعم الأبجديات
وتصوغ ً منها عشاً يؤويها
لا تصمت أيها الدهر
تكفي عذابات ّ
لا ترحل أيها القلب
ما زال ُالأمس يبكيني
صغيرة أحلامي
بحجم ُ لعبة وقطعة حلوى
* تجمع شتات الحب لكن المقابل يبعثرها، ترمم اخطاء وعثرات الحب، لكن المقابل يهدمها، لكي تلاحقها الهزائم والخيبات المثقلة بالهموم. هذا وجع الحب الذي يقود الى الاغتراب، ، ان يدفع القلوب الى الغرابة والضياع، ويحترق القلب بالرماد. لذلك ضيعت اسمه وعنوانه وشعيته بالرماد لانه أصبح كالغريب في الحب المنكسر والمهزوم ، تحاول ان تمسك انفاسها المختنقة، وتعيد ترتيب أوراق ذاكرتها، لكي تلتصق برحم طفولتها لتعيد نبضات قلبها .
وجعي أنت
أيا هذا
احرقُ ظلكَ
لأني ضيعتُ عنوانك
حتى اسمك بات غريباً
مثل الغرباء المنكسرين..
شيعتكَ منذ رماد
لأمسك على جمرة وقاري
لأنعش أنفاسي المنخنقة
وأشذب أفكاري
لألتصق برحم طفولتي
وأعيد ترتيب نبضات قلبي
* هذا الحنين المرهف في شغافه في الشوق والحنين الى مرحلة الطفولة. لانها كانت كالزهرة الياسمين في شرائطها الحريرية. عكس مراحل العمر الاخرى تتزاحم فيها الاحزان والاشجان، ويدفعها الى الخناق ومأزق الضيق والشدة والكدر. تتذكر أيام الطفولة بحلاوتها وبرائتها وطيبة سذاجتها. لم تتجرع كأس الحنظل بالحب المزيف المشبع بغرور (الانا) المتكبرة ، ولهذا تتمنى لو ترجع الى ايام الطفولة، لكي تلقي رسمه في الماء عله يشفى ويتطهر، لو عادت الى طفولتها لجمعت سجائره المبللة ونثرت عليها مطرها علها تجف وتحترق.
آه لو عدت صغيرة
لبللت دفاتري بأمنياتي،
وألقيتُ رسومك في الماء!
علها تشفى بالتطهر!!
لو عدتُ صغيرةً
لغصتُ بتاريخك الابلج ،
واقتطفتُ تفاحة سره!
لو... عدتُ،
لجمعتُ سكائرك المبللة
ونثثت عليها
مطري
علها تجفُ وتحترق!
* غريبة الروح تعاني هموم الاغتراب الداخلي والخارجي والتبعثر، أن تنزع ذاكرتها عند سراب الحدود والغربة ،وتقترب من وهم الحكايات, لتغسل يديها بتراب المحبة. لتضع بصماتها فوق الأبواب باسم الله وتقول:
يا الله ودعتك قلبي وأحبتي.. يا الله ودعتك وجودي.
يا غريبة... ِ
انزعي ذاكرتك ِ
عند سراب الحدود
واقتربي من وهم الحكايات ِ
اغسلي يديكِ بتراب المحبة َ
وأبصمي فوق الابواب :
اسم الله
وقولي : َ
يا الله أودعتك قلبي وأحبتي
أودعتك وجودي
* يبقى العراق الهم الاكبر فهو الحبيب والصديق وليس سواه . يبقى العراق رياح الشوق والحنين تداعب نبضات القلب. يبقى العراق الامل، حتى لو خرج من رماده وكفنه ولحده، يبقى ترابه نقياً، رغم الاحزان وجريان انهار الدماء، رغم الجو المشحون بالرصاص الطائش، لابد أن يصحو العراق ويضحك على الموت والدهر اللعين. يبقى شهداء العراق ازهار الامل القادم، يبقى العراق حياً رغم الغدر والامهات تنوح على فلذات اكبادها الشهداء، ليس لنا سوى عراق لا يموت.
أدركتُ بعدَ ضيم
بعدَ جور
بعدَ غدر
ليس من حبيبٍ
سوى
عراق
ليس من صديقٍ
سوى ْ
عراق
آه َ يا صرخة النخل ْ
المذبوحْ
آهٍ يا قطرة دجلة ْ
وأمي حين تنوحْ
آهٍ
يا وحشة ِ اللحد والكفن
ما لي أرى طعنات ُ
الغدر أينما سرتُ
تدركني ٍ
آهٍ يا عراق
البيداءُ ترتلُ
عراق
المحيط يهدر
عراق
ما لي سواك
يا وطنا أتنفسهُ شهقةَ ضوء
× يبقى العراق وسادة الغريب عن الوطن وعلى رصيف المنفى، والشوق يهز القلب بالحنين الى الوطن الى مدنه الساكنة في القلب من ميسان وزاخو وكربلاء.
هنا ميسانُ
وزاخو وكربلاء
مدناً غافيةً على
وسادتي
وعلى ضفافها شامخة
حروفي تعتلي
الكبرياء
لنْ أتوسد َ رصيفَ
الغرباء
------------
مدن العراق حاضرة في الروح تطرز بالشوق عبائتها. كل العراق ومدنه ساكنة في قلبها. فهي جنتها ورايتها المرفوعة بأسم العراق، كل العراق.
أذكرُ ميسانَ مدينتي
وكربلاء رايتي
وبغداد جنتي
وزاخو والنجف وكركوك
والسماوة َ والحلة وديالى
وذي قار والكوت والبصرة
والموصل
كُلها، كُلها
حتى المدن التي لا أذكرُها
كُلها تطرزُ بالشوق عباءتي
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
19-10-2021 10:04
20-10-2021 10:07
لا يوجد اقتباسات